
فرنسا ـ سوريا ـ لبنان ـ أفريقيا.. خط النار
14/01/2013
حين أعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم «محو أوروبا عن الخريطة»، ابتسم نظيره الفرنسي السابق برنار كوشنير. تردد أن برنار كوشنير قال آنذاك لمقربين منه إن «الوزير ورئيسه منفصلان عن شعبهما ولن يتأخر سقوط النظام». رحل عهد كوشنير ورئيسه نيكولا ساركوزي ولا يزال الرئيس السوري بشار الأسد في الرئاسة.
الآن تقف فرنسا في المتراس الأمامي لخط النار مع سوريا. جاهر رئيسها الاشتراكي فرانسوا هولاند بضرورة رحيل الأسد. قال صراحة انه سيسلح المعارضة حين تتفق على تشكيل حكومة. كان أول مسؤول غربي يعترف بـ«الائتلاف السوري» المعارض ممثلا وحيدا للشعب السوري في معارضة الأسد.
تقدم فرنسا صوب النار السورية بينما تسعى واشنطن وموسكو لتسوية في سوريا وحولها. غالبا ما كان الأميركيون يستخدمون أوروبا كصندوق مالي فقط في الشرق الأوسط. هم يعقدون الصفقات ويجنون الأرباح، بينما أوروبا تدفع التكاليف. هذا كان العنوان الدائم مثلا للتسوية في الشرق الأوسط التي لم تصل إلى نتيجة، لا في مدريد ولا في أوسلو وتوابعهما.

توترت العلاقات بعد سنوات. السبب المعلن كان إصرار سوريا على دعم التمديد للرئيس اللبناني إميل لحود. وقف شيراك بشدة إلى جانب صديقه الرئيس الراحل رفيق الحريري. قيل الكثير لاحقا عن دعم مالي كبير من رئيس الوزراء اللبناني لشيراك وحزبه. كان الحريري قد نجح في أن يقلب المعادلة التاريخية بين لبنان وفرنسا، باتت «الأم الحنون» للبنان تعترف بأولوية علاقاتها مع الزعيم السني على حساب المسيحيين والموارنة. وحين اغتيل الحريري كان شيراك أول المتهمين لسوريا بالمسؤولية حين سارع للوصول إلى بيت الحريري في باريس. لم يتردد شيراك في استبدال بيان «التكامل» بين الدورين الفرنسي والسوري في لبنان بالاعتراف لاحقا بدور إيراني. قيل انه أراد أن يغضب الأسد.

الآن تبدو العلاقات متوترة جدا بين باريس ودمشق. قررت باريس ليس فقط الاعتراف بـ«ائتلاف» المعارضة والدعم بالسلاح، ولكنها عينت أيضا سفيرا لـ«الائتلاف» في فرنسا. اختارته علويا لضرورات المرحلة.
ثمة اتهامات في دمشق لفرنسا بالتورط عسكريا على الأرض، واتهامات أخرى بأنها سهلت وصول سلاح ودربت مقاتلين، واتهامات بتسهيل تمويل المعارضة. يحكى عن صفقة سرية عقدت بين باريس وقطر ضد النظام السوري أثمرت عقودا قطرية بمليارات الدولارات على الأراضي الفرنسية.
ربما كان الأمر صحيحا وربما لا، لكن الخطورة في الأمر أن فرنسا المتورطة حاليا بعمليتين عسكريتين في مالي والصومال، والتي صدم رئيسها السابق ساركوزي بمقتل شقيق الرئيس الأفغاني حميد قرضاي حين كان يعقد معه مؤتمرا صحافيا في كابول، لها قوة مشاركة في قوات الطوارئ الدولية في الجنوب اللبناني، ولها مصالح كبيرة في المنطقة. ماذا لو امتدت نار الحرب في سوريا خارج الحدود السورية؟ وماذا لو انتقمت «القاعدة» من التدخل الفرنسي في مالي والصومال؟ وماذا لو تم كشف معلومات خطيرة عن سبب اغتيال الناشطات الكرديات في باريس؟
يقال إن ثمة تنسيقا دقيقا بين الاستخبارات الفرنسية وأمن «حزب الله». هذا أمر حيوي في سياق عدم التعرض للقوات الدولية في الجنوب. ويقال أيضا إن وقوف فرنسا إلى جانب ليبيا وتونس (حتى ولو متأخرة بالنسبة لهذه الأخيرة) وعلاقتها القوية حاليا بدول الخليج، تمنع عنها غضب «القاعدة».
يقال إن ثمة تنسيقا دقيقا بين الاستخبارات الفرنسية وأمن «حزب الله». هذا أمر حيوي في سياق عدم التعرض للقوات الدولية في الجنوب. ويقال أيضا إن وقوف فرنسا إلى جانب ليبيا وتونس (حتى ولو متأخرة بالنسبة لهذه الأخيرة) وعلاقتها القوية حاليا بدول الخليج، تمنع عنها غضب «القاعدة».
رغم كل ذلك فان سؤالا يبدو جوهريا في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر فيها العالمان العربي والإسلامي، هل تستطيع فرنسا أن تواجه تبعات «جرأتها» في التعامل مع عدد من الملفات الملتهبة؟ أولم يكن من الأفضل أن تحافظ على لعب دور الوسيط في الأزمات الدولية كي لا تسقط مرة ثانية في فخ التفاهمات والمصالح الدولية؟
لا يسمع المرء سوى جواب واحد في باريس: «نحن ندافع عن القانون الدولي وحق الشعوب في تقرير مصيرها وندعم الربيع العربي ونكافح الإرهاب، ولذلك قلنا إننا لا نريد أن يتمدد الإرهاب إلى سوريا»... ليس من السهل الاقتناع بهذا الكلام، ذلك أن ثمة شعوبا أخرى بحاجة إلى حرية وديموقراطية تجد أن باريس متحالفة عضويا مع أنظمتها. لا شك أن فرنسا تقف حاليا على خط النار، ولا شــك مطلقا في أن الأمــيركي حين يجد أن مصلحته تتناقض مع المصالـــح الفرنســـية في الشـرق الأوســط، لن يتردد في المضي قدما.
السفير